الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
.باب النهي عن بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها: الحديث الأول:عَنْ عَبْدِ اللَه بْن عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُمَا: ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ بَيْعِ الثًمَرَةِ حَتَى يَبدو صَلاحُهَا، نَفى البَاِئعَ وَالمُشتَرِيَ. الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الثمار حتى تُزْهَى. قِيلَ: وَمَا تُزْهَى؟ قال: حَتَى تَحْمَرًا أوْ تَصْفر. قال: «أرَأيتَ إذَا مَنَعَ الله الثًمَرَةَ بمَ يَسْتَحِق أحَدُكمْ مَال أخِيهِ؟». الغريب: تزهى: بضم التاء من أزهى يزهى والإزهاء في الثمر، أن يحمر أو يصفر، لبدء الطيب فيه. حتى يبدو: قال النووي: هو بمعنى يظهر، وهو بلا همز. المعنى الإجمالي: كانت الثمار مُعَرضة لكثير من الآفات قبل بُدُو صلاحها، وليس في بيعها مصلحة للمشترى في ذلك الوقت. فنهى النبي البائع والمشترى عن بيعها حتى تزهى، وذلك بُدُو الصلاح، الذي دليله في تمر النخل، الاحمرار أو الاصفرار. ثم علل الشارع المنع من تبايعها، بأنه لو أتت عليها آفة، أو على بعضها، فبماذا يحل لك- أيها البائع- مال أخيك المشترى، كيف تأخذه بلا عوض ينتفع به؟ ما يؤخذ من الحديثين: 1- النهْيُ عن بيع الثمار قبل بُدُو صلاحها. 2- النهى يقتضي الفساد، فيكون بيعها غير صحيح. 3- جواز بيعها بعد بُدُو صلاحها. وكذلك لو باعها قبل بدو صلاحها بشرط القطع في الحال. وهو قول الجمهور. 4- أن دليل الصلاح في ثمر النحل، الاحمرار أو الاصفرار، ولو في بعض الثمرة. فصلاح بعض الثمرة في شجرة دليل على صلاحها جميعها، وينسحب هذا على سائر ذلك النوع في البستان الواحد وقد ذكر في التمر الاحمرار أو الاصفرار أما غيره من الثمر فصلاحه أن يطيب كله ويظهر نضجه والصلاح في الحب اًن يشتد. 5- الحكمة في النهى، هو أنها قبل بُدو الصلاح، معرضة لكثر من الآفات. فإذا تلفت، أو تضررت صار ذلك في ملك المشترى، الذي لم ينتفع منها، فيكون من أكل الأموال بالباطل. كما أن بيعها قبل بُدوِّ الصلاح، ليس له فائدة لعدم الانتفاع بها. وكذلك فيه قطع للتخاصم والتنازع بين المتعاملين، وإزالة لأسباب العداوة والبغضاء بينهم. 6- فيه تحريم أكل أموال الناس بغير حق، ولو بما فيه صورة رضا من الطرفين. الحديث الثالث: عَنْ عَيْدِ الله بن عُمَرَ رَضي اللَه عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن الْمُزَابَنَةِ. وهي أن يَبِيعَ ثمَرَ حَائِطِهِ إنْ كان نَخْلا بِتَمْر كَيْلًا، وَإنْ كان كَرْماً أنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيب كيْلا، وإنْ كَانَ زَرْعا أنْ يَبِيعَهُ بِكَيلِ طَعَاما، نَهَى عَنْ ذلِكَ كُلهِ. الغريب: المزابنة: بضم الميم، وفتح الزاى، والباء، والنون، على وزن المفاعلة. وهى مأخوذة من الزبن وهو: الدفع الشديد، كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه. المعنى الإجمالي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، التي هي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه، لما في هذا البيع من الضرر، ولما فيه من الجهالة بتساوي المبيعين المفضية إلى الربا وقد ضربت لها أمثلة توضحها وتبينها. وذلك، كأن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا، بتمر كيلا، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلا. أو زرعاً، أن يبيعه بكيل طعام من جنسه، نهى عن ذلك كله، لما فيه من المفاسد، والأضرار. الاختلاف في معنى المزابنة: أجمع العلماء على أن هذه الصورة المذكورة في الحديث مزابنة. ولكن الإمام الشافعي، جعل هذه الصور، أصل المزابنة، وألحق بها كل بيع مجهول بمجهول، أو بمعلوم يجرى فيه الربا، بناء منه على أن تفاسير المزابنة في أحاديثها، مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى فرض أنها تفاسير رواتها من الصحابة، فهم أعلم بما رووا، فقولهم مقدَّمٌ على قول غيرهم. أما الإمام مالك، فمعنى المزابنة عنده، أنها بيع كل شيء، لا يعلم كيله، أو وزنه، أو عدده، بشيء من جنسه. سواء أكان ربوياً أم غيره، لأن سبب النهى، ما فيه من المخاطرة. وقد رجع في تفسيرها إلى أصلها اللغوي، وقد تقدمت الإشارة إليه في (الغريب). ويترجح- عندي- تفسير مالك، لأنه جامع لكثير من المنهيات تحت أصل واحد. وأما التفاسير المذكورة، فلا تنافي، لأن عادة السلف، أنهم يفسرون الشيء بمثاله، وهو جزء منه. ولا يريدون به حصره في هذا النوع، وإنما يريدون به المثال. ما يؤخذ من الحديث: 1- النهى عن المزابنة. 2- تعريفها بهذه الصور، التي توضح أصلها. 3- أن بيوعاتها فاسدة، لأن النهي يقتضي الفساد. 4- حكمة النهي عنها، ما فيها من المخاطرة والقمار، لأنها بيع معلوم بمجهول. ولما فيها من بيع النوعين الربويين المجهولين، لأنه لابد في صحة بيعهما من العلم بالتساوي. فأما مع الجهل بتساويهما، فهو مظنة الربا الراجحة، فيحرم. 5- فيه دليل على تحريم بيع الرطب بادر، لعدم العلم بالتساوي ولو تحرى في تساويهما، بل يدل على تحريم بيع كل نوعين ربويين، جهل تساويهما إما لكونهما اختلفا في الرطوبة، أو اليبوسة، وإما لكون أحدهما حبا والآخر طحيناً، أو أحدهما مطبوخا، والآخر نيئا، أو غير ذلك مما لا يعلم معه التساوي بينهما. الحديث الرابع: عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رَضي اللّه عنهما قال: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ، والْمُحَاقَلَةِ، وَعِنِ الْمُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَأنْ لا تُبُاعَ إلا بِالدينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إلا الْعَرايَا. المحاقلة:- بيع الحنطة في سنبلها. الغريب: المخابرة: على وزن المفاعلة، مأخوذة من الخبار وهي الأرض اللينة القابلة للزرع، أو من الخبير وهو من يحسن حرث الأرض. المحاقلة: مأخوذة من الحقل وهو الزرع وموضعه، فاشتقت منه. والمراد بها- هنا- ييع الحنطة بسنبلها، بحنطة صافية من التبن. المزابنة، تقدمت، والعرايا: ويأتي الكلام عليها مفصلا في موضعه، إن شاء الله تعالى. المعنى الإجمالي: تقدم أن الأصل في المعاملات الحل والجواز، وأنها باقية على أصل الإباحة والبراءة الأصلية. وما ورد عن الشارع الحكيم، من النهى عن بعض المعاملات التي يرجع إلى قاعدة الربا المحرمة المستقبحة شرعاً وعقلا وغير هاتين من قواعد الفساد الذي حاربه الشارع يشمله النهى من باب أولى. ومن تلك المعاملات الراجعة إلى الجهالة وإلى الربا أيضا، المخابرة، والمحاقله، التي هي عبارة عن بيع الحب في سنبله، بحب من جنسه. فهنا جهل أحد العوضين، لأنه مستور بأوراقه وتبنه، والجهل بذلك يوقعنا في ربا الفضل، لأن الجهل بالتماثل، كالعلم بالتفاضل في الحكم. ومثل المحاقلة، المزابنة: التي هي بيع التمر على رؤوس النخل بتمر مثله. فما يقال في الأول، يقال في هذا. واستثنى من ذلك، مسألة العرايا بشروطها، للحاجة إليها. وتأتي إن شاء الله تعالى. كما نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، حفظا للحقوق، ولئلا يأخذ البائع الثمن بلا مقابل ينتفع به المشترى. ما يستفاد من الحديث: 1- النهى عن المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة. 2- استثنى من المزابنة، العرايا، للحاجة. 3- النهى عن هذه. لما فيها من الجهل بتساوي العوضين، والجهل بذلك يفضي بنا إلى الربا. 4- من باب أولى يحرم البيع إذا علم التفاضل بين العوضين، الربويين من جنس واحد. 5- النهي عن بيع الثمر قبل بُدو صلاحه، لأمن العاهة. الحديث الخامس: عَنْ أبي مَسْعُودٍ الأنصاري رضي الله عنه: أنً رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، ومَهْرِ البَغِي، وَحُلْوانِ الْكَاهِنِ. الغريب: مهر البغي: البغي: بفتح الباء الموحدة، وكسر الغين المعجمة، وتشديد الياء. وهو فعيل، بمعنى فاعلة، يعنى الباغية، والبغاء: الطلب، وكثرة استعماله في الفساد. ومهرها، ما تعطاه على الزنا، سمى مهراً، من باب التوسع. حُلوان الكاهن: الحُلوان بضم الحاء، مصدر حلوته إذا أعطيته. قال في فتح الباري: وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو، من حيث إنه يؤخذ سهلا بلا مشقة. وأما الكاهن: فهو الذي يدعى علم الأشياء المغيبة المستقبلة. وفي معناه العراف والمنجم ونحوهما من المشعوذين والدجالين. المعنى الإجمالي: لطلب الرزق طرق كريمة شريفة طيبة، جعلها الله عوضا عن الرزق الخبيثة الدنيئة. فلما كان في الطرق الأولى كفاية عن الثانية، ولما كانت مفاسد الثانية عظيمة لا يقابلها ما فيها من منفعة، حرم الشرع الطرق الخبيثة التي من جملتها، هذه المعاملات الثلاث. 1- بيع الكلب: فإنه خبيث رجس، ثمنه خبيث لا يحوز أكله واستحلاله. 2- وكذلك ما تأخذه الزانية مقابل فجورها، الذي به فساد الدين والدنيا. 3- ومثله ما يأخذه أهل الدجل والتضليل، ممن يدعون معرفة الغيب والتصرف في الكائنات، ويخيلون على الناس- بباطلهم- ليسلبوا أموالهم، فيأكلوها بالباطل. كل هذه طرق خبيثة محرمة، لا يجوز فعلها، ولا تسليم العوض فيها، وقد أبدلها اللَه بطرق مباحة شريفة. ما يستفاد من الحديث: 1- النهى عن بيع الكلب، تحريم ثمنه، ولا فرق بين المعلم وغيره، وكلب الزرع والماضية وغيره، وإنما يجوز اقتناؤه فقط بهذه الأشياء الثلاثة. 2- تحريم البغاء وتحريم ما يؤخذ عليه، سواء كان من حُرَةٍ أو أمة، فهو خبيث من عمل خبيث في جميع طرقه. 3- تحريم الكهانة ونحوها من العرافة، والتنجيم، وضرب الحصى، وتحضير الجن، وتحريم أخذ شيء على هذه الأعمال الخرافية الشيطانية. 4- من هذه المنهيات وغيرها، يعلم أن الشريعة نهى عن كل ما فيه مضرة وما يترتب عليه من مكاسب. الحديث السادس: عَنْ رَافِعِ بْن خَديج: أنً رسُولَ اللَه صَلًى الله عَلَيْهِ وَسَلًمَ قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلب خبيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغي خبِيثٌ، وَكَسْبُ الَحجّام خَبِيثُ». المعنى الإجمالي: يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم المكاسب الخبيثة والدنيئة لتجنبها، إلى المكاسب الطيبة الشريفة. ومنها ثمن الكلب، وأجرة الزانية على زناها، وكسب الحجام، فهي مكاسب دنيئة كريهة سافلة، يجتنبها ذو الكرامة والمروءة. ما يستفاد من الحديث: 1- النهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، واجتناب ما يؤدى إليهما. 2- النهى عن كسب الحجام، لأنها مهنه زرية، مخلة بالكرامة والشرف، فمكسبها خبيث. 3- قال شيخ الإسلام إذا عرف الحرام بعينه لم يؤكل حتما، وإن لم يعرف عينه لم يحرم الأكل منه، لكن إذا كثر الحرام يترك ورعا. اختلاف العلماء: اختلف العلماء في كسب الحجام. فذهبت طائفة من العلماء إلى أنه محرم لهذا الحديث، ولما روى أبو هريرة من أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الحجام رواه أحمد. وروى أحمد أيضا عن مُحَيصَة بن مسعود: أنه كان له غلام حجام، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم عن كسبه فقال: ألا أطعمه أيتاما لي؟ قال: «لا». قال: أفلا أتصدق به؟ قال: «لا» فرخص له أن يعلفه ناضحه. ذهب بعض العلماء: إلى أنه حلال، لأن أحاديث النهى منسوخة بإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم أجره، ولكن النسخ يحتاج إلى معرفة المتأخر من الأدلة. وأحسن ما يجمع به أدلة الفريقين، أن يقال: إن لفظ: «الخبيث» كما يطلق على المحرم، يطلق أيضا على الشيء الرديء والكسب الدنيء، كقوله تعالى: {ولا تَيَمّموا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقون} وسمى الشارع الثوم والبصل خبيثين. فتسمية كسب الحجام خبيثا من هذا الباب، لأنه مكسب دنيء، من مهنة زرية. والشارع يرغب في معالي الأمور، والمكاسب الطيبة الشريفة. فيكون كسب الحجام خبيثا من جانب الآخذ، مع أنه حلال له. .باب الْعرَايا: هذا الباب يذكر فيه ما جاء في جواز بيع العارية- ويأتي تعريفها-: وهى مسألة مستثناة من تحريم بيع المزابنة الذي تقدم الكلام عليه في الحديث، ويأتي توضيح ذلك وتوجيهه إن شاء الله تعالى.الحديث الأول: عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ رَضي الله عَنْهُ: أن رَسولَ الله صَلًى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ رَخَصَ لصاَحب الْعَريَّةِ أنْ يَبيعَها بخَرْصِهَا. ولـ مسلم بِخَرْصِهَا تمْراً، يَأكُلُونَهَا رُطباً. الغريب: العرية: فعيلة بمعنى مفعولة. وجمعها عرايا مثل مطية ومطايا. قال في مختار الصحاح: وإنما أدخلت فيها الهاء، لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء، كالنطيحة، والأكيلة. وسميت عرية لانفرادها بالرخصة عن أخواتها. المعنى الإجمالي: تقدم أن بيع التمر على رؤوس النخيل بتمر مثله محرم، لأنه بيع المزابنة المنهي عنه، لما فيه من الجهل بتساوي النوعين الربويين. وأشد حالاته إذا باعه على رؤوسه وهو رطب، بتمر جاف، فقد خفى تساويه من وجهتين. 1- كونهما بيعاً خرصا وكون أحدهما رطبا، والآخر جافاً، فهذا البيع أحد صور ربا الفضل. كانت الأثمان قليلة في الزمن الأول، فيأتي الرطب في المدينة والتفكه به، والناس محتاجون إليه، وليس عند بعضهم ما يشترى به من النقود، فرخص لهم أن يشتروا مايتفكهون به من الرطب بالتمر الجاف ليأكلوها رطبة مراعين في ذلك تساويهما لو آلت ثمار النخل إلى الجفاف. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم بيع التمر على النخل بتمر مثله، لأنه بيع المزابنة المنهي عنه، ومأخذه في هذا الحديث لفظ رخص. 2- جواز بيع العرية- وتقدم شرحها لغة وشرعا-: هو مستثنى من التحريم السابق في المزابنة. 3- أن الرخصة لمن احتاج إلى أكل الرطب خاصة. 4- أن يقدر الرطب على النخلة تمرا بقدر التمر الذي جعل ثمنا له. فائدتان: الأولى: تقدم التحريم في بيع المزابنة الذي هو إحدى صور الربا المحرم، واستثنى من هذا التحريم مسألة العرايا. فلما جاءت على خلاف الأصل، اشترط العلماء للرخصة فيها شروطا، بعضها مأخوذ من أحاديثها، وبعضها باق على أصل معاملة الربا. 1- أن تخرص النخلة بما تؤول إليه تمراً لطلب المماثلة. 2- أن تكون لمحتاج إلى الرطب ليأكله رطبا. والمشهور من مذهبنا المنع في عكس هذه المسألة: وهو أن يشترى المحتاج إلى التمر برطبة تمراً وفى وجه يجوز، لأنه إذا جاز لمن يريد التفكه بالرطب، فكيف لا يجوز لمن احتاج إلى التمر ليأكل؟! 3- أن لا يكون معه نقود يشترى بها. 4- أن يتقابضا قبل التفرق، فالتمر بكيله، والنخلة بتخليتها. 5- أن لا تزيد عن خمسة أوسق، ويأتي في الحديث الذي بعد هذا. 6- إذا اشترى اثنان فأكثر من الرطب لكل واحد خمسة أوسق من رجل واحد صح، ولو اشترى شخص من بائعين فأكثر خمسة أوسق صح أيضاً. أما إذا اشترى من اثنين فأكثر أزيد من خمسة أوسق فلا يصح. الفائدة الثانية: الجمهور من العلماء يقصرون الجواز على النخل خاصة، ورخص به طائفة من العلماء ومنهم شيخ الإسلام في سائر الثمار، لأن الرطب فاكهة المدينة ولكل بلد فاكهة، والحكمة المرخصة موجودة فيها كلها، والرخصة عامة. الحديث الثاني: عَنْ أبي هريرةَ رَضي الله عَنْهُ: أنَ النبي صَلى الله عَلَيْهِ وَسلمَ رَخَّصَ في بَيْع العَرَايَا في خَمْسَةِ أوْسُق، أو دون خَمْسَةِ أوْسقٍ. المعنى الإجمالي: لما كانت مسألة العرايا مباحة للحاجة من أصل محرم، اقتصر على القدر المحتاج إليه غالباً، فرخص فيما قدره خمسة أوسق فقط أو ما دون ذلك، لأنه في هذا القدر تحصل الكفاية للتفكه بالرطب. ما يستفاد من الحديث: 1- الرخصة في بيع العرايا للحاجة إلى التفكه بالرطب. 2- أن تكون الرخصة بقدر الكفاية، لأن الرخصة لا يتجاوز بها قدر الحاجة. 3- الوسق بسكون السين- ستون صاعا نبويا، فيكون ثلاثمائة صاع. وتقدم أن الصاع النبوي، ينقص عن صاعنا الحاضر (وكيلتنا) الخمس وخمس الخمس، وهذا هو الحد الأعلى للجواز. اختلاف العلماء: ذهب كثير من العلماء، ومنهم الشافعية والحنابلة والظاهرية: إلى أنه لا يجوز بيع العرايا إلا فيما دون خمسة أوسق، لأن الأصل التحريم، وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز، ويلغى الشك الذي وقع في الحديث (خمسة أوسق أو دون خسة أوسق) وهو شك وقع لأحد رواة الحديث. وهو داود بن الحصين، فلذلك جوزنا دون خمسة أوسق لأنه متفق عليها ومنعنا الخمسة للشك فيها. والأصل التحريم للنهى عن المزابنة. وذهب بعضهم- ومنهم المالكية- إلى الجواز في الخمسة عملا برواية الشك، وبما روى عن سهل بن أبي حَثْمة (أن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة) وهو رواية عن الإمام أحمد، نظر فيها إلى عموم الرخصة، فلا يضر الشك في الزيادة القليلة، واختارها شيخنا عبد الرحمن آل سعدي رحمه الله تعالى. .باب بيع النخل بعد التأبير: الحديث الأول:عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ رَضي اللّه عَنْهُما: أن رَسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ بَاعَ نَخْلا قَدْ أبرت فَثَمَرَتُهَا للْبَائِع، إلا أنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» ولـ مسلم و«مَنْ ابتَاعَ عَبْدا فَمَالُهُ للَّذِي بَاعَهُ إلا أن يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». الغريب: أبرت: بتخفيف الباء وتشديدها. فالأول: أبرت النخل أبراً، بوزن أكلت أكلا. والثاني: أبرت النخل تأبيراً، بوزن علمته أعلمه تعليماً. والتأبير:التلقيح، وهو وضع شيء من طلع ذكر النخل، في طلع إناثه. المبتاع: هو المشترى، بقرينة الإشارة إلى البائع ويأتي اللفظ للبائع والمشترى، فهو من الأضداد. المعنى الإجمالي: أول العمل في ثمرة النخل هو تلقيحه، ولهذا فإن الشارع أناط به الحكم. فمن باع أصول نخل، فإن كانت الثمرة مؤبرة قد عمل بها صاحبها واستشرفت نفسه لها، فهي للبائع مبقاة على أصولها إلى أوان جذاذها. وإن لم تؤبر فهي داخلة في بيع الأصول، فتكون للمشترى. هذا ما لم يشترط المشترى في الصورة الأولى، دخول الثمرة أو بعضها في البيع، أو يستثنى البائع الثمرة أو بعضها في الصورة الثانية، فتكون باقية على أصولها إلى أوان جذاذها، لاًن المسلمين على شروطهم الصحيحة، وهذا منها. وكذلك العبد الذي جعل سيده بيده مالا، فإن باعه فماله لسيده الذي باعه لأن العقد لا يتناوله، إلا أن يشترطه المشترى، أو يشترط بعضه، فيدخل في البيع.. ولو كان المال الذي معه مما يجرى فيه الربا مع الثمن فإنه جائز لأنه تابع غير مقصود لذاته والتابع لا حكم له، لأنه في حكم المتبوع. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن من باع نخلا قد أُبّر، فثمرته للبائع، وهذا منطوق الحديث. 2- أن من باع نخلا لم يؤبر، فثمرته للمشترى، وهذا مفهوم الحديث. 3- إن استثنى البائع الثمرة التي لم تؤبر، أو بعضها فهي له بشرطه. 4- إن اشرط المشترى دخول الثمرة المؤبرة بالعقد، فهي له بشرطه. 5- صحة اشتراط بعض الثمرة مأخوذ من حذف المفعول به من قوله (إلا أن يشترط المبتاع)، فهو صادق عليه كله، وعلى بعضه. 6- إن كان بعض ثمره مؤبرا، وبعضه غير مؤبر، فالصحيح أن لكل حكمه، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدماً. إلا إذا كان التأبير في نخلة واحدة فتكون كل ثمرتها للبائع، لأن باقيها تبع لأولها. 7- ألحق الفقهاء بالبيع جميع التصرفات: كأن يكون النخل عوض صلح. أو صداقا، أو جعله صاحبه أجرة، أو هبة أو غير ذلك مما فيه نقل الملك. 8- دخول الثمرة في البيع إذا اشتريت قبل التأبير، أو اشترطها المشترى وهي مؤبرة، يُعَدّ بيعاً للثمر قبل بُدُو صلاحه، لكن رخص فيه لأنه تابع لأصله. ليس مستقلا. والقاعدة العامة يثبت تبعاً، ما لا يثبت استقلالا وهذه الصورة منها وبهذا يجمع بين النصين. 9- أن من باع عبداً، وقد جعل بين يديه مالا يتصرف به، فالمال للبائع إلا أن يشترطه المشترى مع الصفقة، أو يشترط بعضه، فيدخل مع المبيع. وحينئذ يشترط فيه ما يشترط غيره من المبيعات. 10- لا يضر أن يكون مع العبد المبيع ما يدخله الربا مع الثمن، كأن يتبعه فضة والثمن ريالات فضية، لأنه تابع. 11- قال شيخ الإسلام: بيع الزرع بشرط التبقية لا يجوز باتفاق العلماء. وإن اشتراه بشرط القطع جاز بالاتفاق. وإن باعه مطلقا لم يجز عند جماهير العلماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد. .باب نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه: الحديث الأول:عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُمَا: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ ابتاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَى يَسْتَوْفِيَهُ». وفي لفظ: «حَتَّى يَقْبِضَهُ» وعن ابن عباس.. مثله. الغريب: من ابتاع: يعنى من اشترى. طعاماً- لغة- كل مطعوم، من مأكول ومشروب. وفي الصدر الأول، إذا أطلق الطعام في الحجاز، انصرف إلى الْبُر خاصة. المعنى الإجمالي: لما كان قبض الطعام من متممات العقد، ومكملات الملك، نهى الشارع الحكيم، المشترى عن بيعه حتى يقبضه ويستوفيه، ويكون تحت يده وتصرفه، لأنه- قبل القبض- عرضة للتلف في ضمان البائع، ولأن العقد عليه قبل القبض، ربما سبب فسخ العقد الأول. فاٍن كان بخسارة، حاول المشترى الفسخ، وإن كان بربح، حاوله البائع. ما يستفاد من الحديث: 1- النهى عن بيع الطعام قبل قبضه. 2- في لفظ: «حتى يستوفيه» ما يشعر بأنه خاص بما يحتاج إلى حق توفية، وهو المكيل والموزون. وفي لفظ: «حتى يقبض» ما يفيد عموم النهي عن البيع، في الجزاف والمكيل، والموزون، ويأتي الخلاف في ذلك إن شاء اللّه تعالى. 3- جواز بيعه بعد القبض والاستيفاء. 4- النهى ورد في الحديث بالتصرف فيه بالبيع، ولكن ألحق كثير من العلماء- ومنهم الشافعية، والحنابلة- بعض عقود تدخل تحت مسمى البيع، أو تكون وسيلة إليه كالإجارة، والهبة على عوض، والرهن، والحوالة. 5- أما ماعدا البيع وما يجرى مجراه، فيجوز التصرف فيه، لأنها عقود يتسامح فيها بالغرر اليسير، ولأنها لم تقصد للربح فمحذور محاولة فسخ العقد المشار إليها خفية. اختلاف العلماء: ذهبت الحنفية والشافعية، إلى المنع من بيع أي شيء قبل قبضه، وهو رواية قوية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه ابن عقيل والشيخ تقي الدين. وقال الشيخ: وعليه تدل أصول أحمد، واختارها ابن القيم وصححها، وذكر أن أحاديثها لا تنافي أحاديث الطعام، وأطال القول فيها. لكن الحنفية استثنوا بيع العقار، فيجوز- عندهم- ولو قبل قبضه. وذهبت المالكية في المشهور عنهم، إلى منع ما بيع من الطعام بالكيل والوزن خاصة. وذهبت الحنابلة، في المشهور من مذهبهم: إلى منع ما بيع بكيل، أو وزن أو عد، أو بصفة، أو رؤية متقدمة للعقد. ولا فرق في ذلك بين المطعوم وغيره. وذهب بعض المالكية إلى اختصاص ذلك بالمطعوم، ويستوي في ذلك أن يكون جزافا، أو مكيلا، أو موزوناً أو غيرها. وفي هذا القدر من البيع تجتمع آراء جميع العلماء، ولم ينفرد من فقهاء المذاهب إلا المتقيدون بمشهور مذهب الحنابلة، الذين قصروا المنع على المبيع بالكيل أو الوزن، أو العد، أو الذرع، مع أنه- هنا- رواية عن الإمام أحمد منع بيع الطعام مطلقاً. مشى عليها الخِرَقي وصاحب المغنى، وشارح المقنع. أدلة هذه الأقوال: استدل الحنفية والشافعية ومن وافقهم، بما رواه أحمد، والنسائي، عن حكيم ابن حزام قال: قُلْتُ: يَا رَسولَ الله، إني اشتَرِى بيوعا، فَما يَحِل لي منهَا وَمَا يَحرُمُ؟ فقال: «إذا اشتريت بيعاً فلا تبْعهُ حَتى تقْبِضَهُ» وفي إسناده مقال للعلماء. وما رواه أبو داود، والدارقطني، وصححه الحاكم، وابن حبان، عن زيد بن ثابت: أن النَبي صلى الله عليه وسلم نَهَى أن تباع السلَعُ حَيْث تُبتاع حَتى يَحُوزَها التجارُ إلَى رِحَالِهِم، وظاهر هذين الحديثين، عامُ في كل مبيع. واستدل المالكية، الذين يرون أن المنع في مكيل الطعام وموزونه، بما رواه مسلمِ وأحمد عن جابر قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا ابتعْتَ طَعَامَا فَلا تَبِعْه حَتَى تَستوْفِيَهُ». والاستيفاء، إنما يكون في الكيل أو الوزن. ومثله في مسلم وأحمد أيضا عن أبى هريرة: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنْ يُشْتَرى الطَّعَامُ ثُمً يُبَاع حَتَّى يُسْتَوْفَى. ولـ مسلم: ثم أنَ النبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اشْترَى طَعَاماً فَلا يَبعْهُ حَتًى يَكْتَالَهُ». أما الذين لا يفرقون في المطعوم، بين الجزاف وغيرِه، فيستدلون، بما رواه البخاري، ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر قال: كانُوا يَبْتَاعُونَ الطعَامَ جُزَافاً بأعْلَى السُّوق فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أن يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ. وفي أحد ألفاظ هذا الحديث: «مَن ابتاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حتَى يَقْبِضَهُ». وهذه أحاديث تعُمُّ الجزاف وغيره، مع أن حديث ابن عمر، نص صريح بالجزاف. وهذه الأدلة لا تنافي حديثي ابن عمر، وأبي هريرة، اللذين استدل بهما المالكية، لأن ثبوت وجوب القبض في المكيل والموزون، لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره. وأدلة هاتين الطائفتين تدل- بمفهومها- على اختصاص منع البيع في الطعام سواء أكان مكيلا أم موزوناً، كما هو مذهب المالكية، أو هما والجزاف أيضاً،كما هو مذهب الذين بعدهم،: لكنه مفهوم لقب وليس بحجة، ولو فرضنا مجيئه، فإنه لا يقاوم منطوق الأحاديث التي استدل بها الحنفية والشافعية. أما أدلة المشهور من مذهب الحنابلة، فهي مفاهيم أحاديث الطعام، أيضا، لأنها نصَّتْ عليه، فدل على أن هذا الحكم مقصور على الطعام، وأن قصره على ما يباع بالكيل والوزن، لأنه هو الجاري- غالباً- في بيعه. ولما روى عن ابن عمر مَضَتِ السنةُ أن مَا أدرَكهُ الصفْقَةُ حَبا مَجْمُوعا فَهُوَ مِنْ مَال المُبتاعِ رَواه البخاري تعليقا والمبتاع، هو المشترى. ثم عَدَّوِا هذا الحكم، إلى كل ما يحتاج إلى حق توفية، مما يبيع بكيل، أو وزن، أو عَدد أو ذرْع، أو بيع بصفة، أو رؤية متقدمة على العقد، لأن هذا كله يحتاج إلى حق توفية. فائدتان: الأولى: فقهاء المذاهب يجعلون ضمان التلف في الآفة السماوية-: هي مالا صُنْع لآدمي فيها، كالحر، والبرد، والجراد، ونحو ذلك من الحوادث. فما يصح عندهم تَصرفُ المشترى فيه قبل القبض بالبيع، يكون ضمانه عليه، إذا تلف أو تعيّب. وما لا يصح تصرفه فيه، فمن ضمان البائع على حسب اختلافهم المتقدم في ذلك. الثانية: في صفة قبض المبيعات: يحصل قبض ما يبيع بكيل، بكيله. وما بيع بوزن، بوزنه. وما بيع بعد بعده. وما بيع بذرع بذرعه. وما ينقل بنقله، وما يتناول بتناوله. والعقار والثمر على الشجر، بتخليته، بأن يرفع البائع يده ويضعها المشترى. |